“شلل عام وإضراب تاريخي.. هل تُترجم النقابات العمالية غضب الشارع إلى تغيير حقيقي؟

0
156

في ظلّ مشهد سياسي واقتصادي متوتر، شهدت المملكة المغربية يومي الأربعاء والخميس إضرابًا وطنيًا واسعًا، أعلنت عنه النقابات العمالية، ووصفته بـ”الناجح” بنسبة مشاركة فاقت 80%. هذا الإضراب، الذي يُعتبر الأكبر منذ أكثر من عقد، لم يكتفِ بشلّ حركة العديد من القطاعات الحيوية، بل أثار أيضًا تساؤلات جوهرية حول دور الحكومة وتمثيلية البرلمان، وقدرة النقابات على تحقيق مطالب العمال في ظلّ سياسات اقتصادية واجتماعية مثيرة للجدل.

نجاح الإضراب: أرقام ودلالات

وفقًا للبيان الصادر عن الاتحاد المغربي للشغل، أكبر نقابة عمالية في المغرب، بلغت نسبة المشاركة في الإضراب 84.9%، ووصفته النقابة بـ”الباهر” و”الملحمة النضالية”. وشمل الإضراب قطاعات واسعة، منها التعليم، الصحة، النقل، الطاقة، والاتصالات، مما أدى إلى شلل شبه كامل في الخدمات العامة والمرافق الحيوية. كما توقفت الحركة في الموانئ والمطارات والمصانع، مما يعكس التأثير الاقتصادي الكبير لهذا الإضراب.

ريم شباط تهاجم قانون الإضراب: هل الحكومة تُكمّم أفواه العمال أم تُنظم الحقوق؟

لكن، ما الذي يعنيه هذا “النجاح الباهر”؟ هل هو تعبير عن قوة النقابات العمالية وقدرتها على تعبئة العمال، أم أنه مؤشر على استياء عام من السياسات الحكومية؟ وهل يمكن اعتبار هذه النسبة المرتفعة من المشاركة دليلاً على شرعية مطالب العمال، أم أنها تعكس أزمة ثقة بين الطبقة العاملة والحكومة؟

مطالب العمال: بين الإلحاح والإهمال

دعت النقابات العمالية الحكومة إلى فتح حوار “جاد ومسؤول” حول المطالب العالقة، والتي تشمل تحسين الأجور، وتعديل السياسات الضريبية، وضمان الحقوق الاجتماعية للعمال. هذه المطالب ليست جديدة، بل هي تراكمات لسنوات من الإهمال الحكومي، وفقًا لتصريحات النقابات.

لكن، ما مدى استجابة الحكومة لهذه المطالب؟ وهل يمكن أن يؤدي الإضراب إلى تغيير حقيقي في السياسات، أم أنه سيُختزل إلى مجرد احتجاج مؤقت؟ الأسئلة هنا تفتح الباب أمام تحليل أعمق لديناميكيات العلاقة بين النقابات والحكومة، وإلى أي مدى يمكن أن تُترجم الاحتجاجات إلى إصلاحات فعلية.

السياق السياسي: أزمة تمثيلية أم إرادة سياسية؟

في سياق متصل، يثير الإضراب تساؤلات حول دور البرلمان وتمثيليته. فغياب 291 نائبًا عن جلسة تصويت على قانون الإضراب، كما أشارت بعض التقارير، يطرح إشكالية كبيرة حول شرعية القوانين التي تُصوّت بها بأقلية نيابية. هل يعكس هذا الغياب أزمة ثقة بين المواطنين وممثليهم؟ أم أنه مؤشر على إرادة سياسية لتمرير القوانين دون نقاش موسع؟

هذه الأوضاع تعزز الشعور بأن القرارات المصيرية تتخذها أقلية نيابية، مما يساهم في فقدان الثقة بالمؤسسات الديمقراطية. أليس من الضروري إصلاح المنظومة البرلمانية لضمان تمثيلية حقيقية ومسؤولية أكبر تجاه المواطنين؟

التضامن الدولي: رسائل دعم أم ضغط إضافي؟

تلقت النقابات العمالية المغربية رسائل تضامن من هيئات نقابية دولية، من بينها الاتحاد الدولي للنقابات والاتحاد العربي للنقابات. هذا التضامن الدولي، وإن كان يعكس دعمًا معنويًا للنقابات، إلا أنه قد يُستخدم أيضًا كأداة ضغط إضافية على الحكومة المغربية. لكن، هل يمكن أن يتحول هذا التضامن إلى دعم فعلي على الأرض؟ وكيف يمكن أن يؤثر على موقف الحكومة من مطالب العمال؟

المستقبل: إضراب أم حوار؟

يُتوقع أن يؤدي الإضراب إلى مزيد من الضغط على الحكومة لتغيير سياستها تجاه الطبقة العاملة. لكن، هل ستستجيب الحكومة لدعوة النقابات بفتح حوار “جاد ومسؤول”؟ أم أن الإضراب سيُختزل إلى مجرد احتجاج عابر دون تحقيق تغيير حقيقي؟

في النهاية، يبقى السؤال الأكبر: هل يمكن أن يُترجم نجاح الإضراب إلى إصلاحات فعلية، أم أنه مجرد فصل جديد في أزمة مستمرة بين النقابات العمالية والحكومة؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل العلاقة بين الطرفين، ومصير الطبقة العاملة في المغرب.

خاتمة: بين النجاح والأزمة

الإضراب الوطني في المغرب ليس مجرد حدث عابر، بل هو تعبير عن أزمة أعمق تتعلق بتمثيلية المؤسسات وشرعية القرارات السياسية. نجاح الإضراب بنسبة مشاركة عالية يعكس استياءًا عامًا من السياسات الحكومية، لكنه يطرح أيضًا تساؤلات حول قدرة النقابات على تحويل هذا النجاح إلى تغيير حقيقي. في ظلّ هذا المشهد المعقد، يبقى الحوار الجاد والمسؤول هو المخرج الوحيد من الأزمة، لكن شريطة أن يكون هذا الحوار مبنيًا على إرادة سياسية حقيقية لتحقيق مطالب العمال.