كشف عبد السلام العزيز المنسق الوطني لتحالف فيدرالية اليسار، أن المغرب لا يتوفر على سياسة المدينة، فلا مجال للحديث عن تنافسية المدن، بسبب تهميش المؤسسات المنتخبة، حيث القرارات الكبرى تتخذ خارج هذه المجالس، على غرار القرارات الكبرى تتخذ خارج الحكومة”.
وقال منسق اليسار المغربي، في مداخله له بمناسبة لقاء تواصلي نظمه تحالف فيدرالية اليسار بأكادير، ليلة السبت/الأحد 10 أبريل الجاري، بمركب خير الدين بمدينة أكادير، أن “المجالس المنتخبة أداة لممارسة الديمقراطية التشاركية، كما نص على ذلك دستور 2011 وإن كان الواقع العملي على خلاف ذلك”.
وبسّط ما أسماه “مظاهر الأزمة الخانقة التي تعرفها بلادنا في مستوياتها الإقتصادية والاجتماعية، مؤكدا أن لوبي الشركات الكبرى أصبح متحكما في القرار السياسي بالمغرب، من خلال الحكومة والبرلمان، بل وفي مؤسسات دستورية كمجلس المنافسة”.
وأشار إلى أن “كل حكومات العالم اتخذت تدابير لمواجهة غلاء الأسعار والأزمات الاقتصادية التي تواجهها شعوبهم، إلا حكومة بلادنا التي لم تكترث بما يحصل، لا تخدم سوى أجندات لوبي المحروقات وما شابههم”، وفق تعبيره.
تعتبر المدن في العديد من الدول المتطورة قاطرة للنمو الاقتصادي والإنتاج والمنافسة في ظل العولمة الاقتصادية والثقافية ، بحيث تعد مجالا وقطبا للتنمية والاندماج الاقتصادي والاجتماعي ومجالا لتوطين الشركات المنتجة للثروة والرأسمال المادي، مما يؤثر ذلك على الساكنة الحضرية التي تستفيد من ثمار التنمية.
موازاة مع ذلك فالمدن في الدول النامية ومنها المغرب، بقيت متأخرة عما حصل من تطور وتنمية في المدن الغربية ، بحيث أن القائمين على الشأن الحضري في بلدنا لم يقوموا على تهيئة وتطوير المدينة بالشكل الذي يضمن خلق شروط وآليات توفير عيش كريم للمواطنين في إطار تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة، هدا يرجع أساسا إلى النهج الذي اتبع مند عقود في تسيير المدن ، بحيث أن المنطق التدبيري كانت تغلب عليه المقاربة الأمنية بدلا من المقاربة التنموية في ظل ضعف انخراط المؤسسات المنتخبة والمدبرة لشأن المدينة وقلة المبادرات والمشاريع التنموية،علاوة على قلة ومحدودية الموارد المالية وأيضا الموارد البشرية النوعية. كل ذلك ساهم في تضييع فرص النمو والإقلاع بقاطرة التنمية في كل المجالات وخاصة البشرية ، مما جعل المدن تعيش أزمة هيكلية في كل أبعادها التدبيرية والعمرانية والاجتماعية والاقتصادية .
إن مفهوم تدبير المدينة يعني إدارة الشؤون المحلية (الاقتصادية والاجتماعية) وبرمجتها بالنظر إلى الإمكانيات المتاحة سواء تعلق الأمر بالتدبير اليومي أو المستقبلي وتحقيق التوازن بين المتطلبات والإمكانيات خصوصا أن الحاجيات في تزايد مستمر، فهي بصيغة أخرى تفيد مدى قدرة المؤسسات والأطراف الفاعلة في حقل المدينة على إدارة الموارد المالية والبشرية الموضوعة رهن إشارتها ، ووضع مخطط للتنمية على المدى القصير والبعيد، بما يسهم في تغيير الأوضاع في المدينة وتحقيق التنمية المستدامة لساكنتها.
فالمدينة كظاهرة حضرية تعرف العديد من الإشكاليات والصعوبات على مستوى التدبير والإعداد، وهي إشكاليات حقيقة لم تكن وليدة الحاضر بل كان منشؤها مند عهد الحماية الفرنسية، التي نهجت سياسة حضرية تمييزية ، بحيث أنشأت المدن الحديثة واستقطبت الاهتمام سواء من حيث التجهيزات الأساسية والاستثمارات، وشجعت بالتالي الهجرة إليها بينما دخلت المدن العتيقة في دائرة الإقصاء.
وبعد الاستقلال شهدت المدن المغربية (الكبرى والصغرى)، على إثر النمو الديمغرافي والهجرة القروية توسعا كبيرا الشيء الذي أصبحت معه البنية الاجتماعية معقدة ، وأصبح معه كذلك تدبير المدن المغربية مشكلا متعدد الأبعاد اجتماعيا واقتصاديا ، وحتى سياسيا بسبب المشاكل الناجمة عن التدهور والانحطاط الحضري والتطور الفوضوي، والتوزيع غير المتوازن للتجهيزات وغير ذلك من مظاهر التخلف الحضري، وهي آثار لازالت تعاني منها المدن المغربية إلى اليوم، بالرغم من الجهود المبذولة من طرف السلطات المركزية والمحلية من أجل الرفع من مستوى تدبير الشأن المحلي وتحقيق التنمية المحلية والوطنية على حد سواء.
والواقع يبين أن تدبير المدن يعاني من عدة إكراهات متعددة يمكن تصنيفها إلى إكراهات تتعلق بالتسيير المالي والإداري ..) وأخرى تتعلق بضعف التجربة وتواضع مردودية الاختيارات المالية، وقلة المبادرات الاقتصادية والاجتماعية وانعدام التخطيط والبرمجة وتدني مستوى التسيير الجماعي، كل ذلك جاء موازاة مع ارتفاع نسبة التمدين التي أثرت سلبا على تدبير المدينة .
هذه الصعوبات ظلت تلازم المدن على الرغم من انطلاق تجربة الجماعات المحلية التي تعنى أساسا بتدبير وتهيئة المجال، وذلك مند الميثاق الجماعي لسنة 1976 مرورا بتجربة وحدة المدينة التي جاءت مع الميثاق الجماعي لسنة 2002 والتي كانت تهدف إلى تجاوز حالة التشرذم التي تعيشها المدن المغربية ، وذلك بخلق مركز قرار يتوفر على الشرعية وعلى الإمكانيات للتحكم في آليات تنفيذ تصور شامل أي خلق إرادة سياسية واحدة داخل المدينة وهي المتمثلة في مجلس المدينة وانتهاء بقانون 79.00[1] المعدل لقانون 78.00 المتعلق بتنظيم الجماعات الحضرية والقروية.
بالرغم من الإصلاحات القانونية والمؤسساتية التي قامت بها السلطات العمومية، فتدبير المدينة لازال محكوما بتعدد المتدخلين في صناعة القرار.فالعديد من الأطراف الإدارية ( المجالس الجماعية، العمالات، الولايات، الوكالات الحضرية، مديريات التعمير…إلخ) ساهم من جهة في تداخل الاختصاصات بين هده البنيات وضعف التنسيق بينهم، ومن جهة أخرى أدى إلى تضخم المصالح الإدارية وتعقد المساطر، والحصيلة كانت هي هدر 00المزيد من الجهود البشرية والمالية، والإسهام في تفتيت وتشتت المشهد الحضري . مما يوضح أن دور هذه المكونات الإدارية محدودا في تنمية المدينة، إن لم نقل أنها أصبحت مصدرا رئيسيا للاختلالات وعبئا ثقيلا يعيق تقدمها وتطورها.
إن ضعف الحكامة التي تتجلى غالبا في سوء التدبير وقلة التخطيط وعدم وضع تصور شمولي لإشكاليات المدينة أدى إلى ظهور عدة صعوبات وإكراهات على عدة مستويات نجملها فيما يلي؛
أولا؛على المستوى العمراني:
إن التمدين السريع الذي عرفته العديد من المدن المغربية، والتطور العمراني الكبير، وانتقال المجالات الضاحوية من الظاهرة القروية إلى الظاهرة الحضرية . بمعنى أخر أن عملية التحضر أو ما يسمى بالحركية الحضرية la mobilite urbaine)) أدت إلى اتساع وامتداد المدينة على الأراضي الفلاحية والغابوية أحيانا، مما انعكس سلبا على الهامش وخلق تباينات وتناقضات اجتماعية، بحيث أصبح المجال الهامشي موطنا للساكنة الفقيرة، وبالتالي نكون أمام تعمير رسمي يوفر للمركز شروط ومتطلبات التجهيز والعيش الكريم، موازاة مع تعمير تلقائي أو غير مراقب يتجاهل أبسط قواعد التعمير في الهامش.
يظهر ذلك خاصة في ضواحي المدن حيث تنشط السوق العقارية غير الرسمية والتي تتميز بانعدام التجهيز وتزايد المضاربة العقارية التي تؤدي إلى ارتفاع الثمن، وهذا ما يشجع على ظهور أحياء السكن العشوائي والسري أو أحياء الصفيح التي تلجأ إليها الفئة الأكثر فقرا من المواطنين والدين يدفعهم المستوى الاقتصادي إلى اللجوء إلى هذه المناطق، ويزيد من حدة نمو هده المناطق السكنية تزايد أفواج المهاجرين القرويين.
تشير الإحصائيات في هدا الصدد إلى أن 540 ألف أسرة لازالت تقطن بمساكن عشوائية و100 ألف تقطن بمساكن آيلة للسقوط و 230 ألفا تقطن بدور الصفيح.[2]
وهكدا فأطراف المدن تصبح مجمعا لأدنى فئات المجتمع، ويمكن إجمال أهم سمات هذه المجالات:
-
التهميش، الفقر، والبطالة واللامبالاة
-
معظم سكان هده المناطق يعملون بالقطاع غير المهيكل
-
لا يرون في التعليم أسبابا اقتصادية مجدية
-
هذه المناطق تعج بالمشكلات البيئية والاجتماعية والأمنية والصحية .