يثير هذا التطور تساؤلات حول هل يحضر المغرب القمة العربية بالجزائر وعلى أي مستوى، وهل يصل الأمر لحضور جلالة الملك المفدى محمد السادس للقمة. وتقليدياً لا يشارك المغرب في القمم العربية والإسلامية عبر صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، ولكن أحياناً بمستوى رفيع قد يصل لرئيس الوزراء.
باريس – ذكرت مجلة “جون أفريك” الفرنسية ، أن الملك المفدى محمد السادس سيحضر شخصياً القمة العربية المقررة في الثاني من نوفمبر المقبل في الجزائر.
ونقلت المجلة الفرنسية، في خبر نشرته زوال اليوم الإثنين على موقعها، عن مصادر وصفتها بالمقربة من مراكز القرار في السعودية والإمارات وقطر والبحرين، أن القمة العربية ستعرف حضور الملك محمد السادس شخصياً، ويتوقعون مراقبون وجود وساطة سعودية وقطرية لتصالح مغربي جزائري.
وتشير ذات المصادر إلى أن الوساطة السعودية والقطرية تعمل على تقريب وجهات النظر قبيل القمة العربية المنتظر أن يحضرها ملوك و رؤساء الدول العربية.
وأعلن المغرب، الأربعاء 7 سبتمبر/أيلول 2022، أن وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي سيزور الرباط، حاملاً دعوة لحضور القمة العربية المقررة في بلاده، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2022، في خطوة نادرة بين البلدين الجارين، في ظل وجود ملفات خلافية بينهما، ومخاوف من أن تؤثر مسألة دعوة المغرب للقمة على فرص عقدها.
جاء ذلك في بيان لوزارة الخارجية المغربية، لم يتطرق إلى موعد زيارة الوزير الجزائري المرتقبة، مشيراً إلى أنها تأتي “في إطار التحضير للقمة العربية المقبلة”.
وكانت صحيفة “الشروق” الجزائرية قد قالت، الثلاثاء، إن الجزائر سترسل مبعوثاً خاصاً للمملكة المغربية، وهو ما يعتبر واجباً أخلاقياً وسياسياً، حسب تعبيرها.
وجاء ذلك عقب إعلان الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده بالجامعة العربية، الثلاثاء، مع وزيرة خارجية ليبيا نجلاء المنقوش، رئيسة الدورة الـ158 لمجلس وزراء الخارجية العرب، أنه تم الاتفاق بشكل نهائي في الاجتماع على الموعد النهائي للقمة يومي 1 و2 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، مؤكدا عدم صحة التقارير عن تأجيل القمة أو إلغائها أو نقلها.
وقررت السلطات الجزائرية إيفاد عدد من المبعوثين إلى العواصم العربية، حاملين دعوات لجميع قادة الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية.
وكان لافتاً أن الجزائر أوفدت وزير العدل وهو وزير سيادي للمغرب، ومع أن رمزية إيفاده لا تماثل إيفاد وزير الخارجية، ولكنه يظل تمثيلاً رفيع المستوى، خاصة أنه وزير العدل الجزائري، وهو نفسه سيحمل الدعوة للسعودية والأردن، وهما دولتان عربيتان مهمتان وعلاقتهما ليست سيئة بالجزائر، وسيتوجه الوزير إلى المغرب بعد السعودية والأردن، في حين سيسلم وزير الداخلية الجزائري (كمال بلجود) الدعوة نفسها إلى القمة لتونس وموريتانيا.
ويعتقد أن الجزائر سوف تقسم الدعوات لثلاث فئات: الأولى هي التي يقدمها وزير الخارجية رمطان لعمامرة، الذي سلم بالفعل إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعوة رسمية للمشاركة في اجتماعات الدورة الـ31 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، التي تستضيفها الجزائر، وذلك خلال زيارته للقاهرة للمشاركة في اجتماعات مجلس الجامعة العربية.
والفئة الثانية هي الدعوات التي سيسلمها وزير العدل الذي يعد وزيراً سيادياً، وهناك فئة ثالثة وهي الدعوات التي سوف يسلمها وزير التنمية المحلية الجزائري أو غيره من الوزراء.
وكان يمكن أن ترسل الجزائر وزير دولة لتقديم الدعوة للمغرب، وهي ستكون دلالة أقل إيجابية، ولكنها حدثت في قمم عربية سابقة بين دول كان لديها خلافات بينية مثلما حدث في قمة دمشق عام 2008، والقمم التي عقدت في ليبيا، خاصة مع بعض دول الخليج التي كان لديها مشكلات في ذلك الوقت مع النظامين الليبي والسوري.
وتشهد العلاقات بين البلدين توتراً بسبب خلافات عدة، أبرزها ملف الحدود البرية المغلقة منذ عام 1994، وقضية إقليم الصحراء المتنازع عليه بين الرباط وجبهة “البوليساريو”، حيث تؤكد الرباط أن الصحراء جزء من أراضيها، وتقترح حلاً يقوم على حكم ذاتي واسع النطاق، بينما تدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تطالب بانفصال الصحراء عن المغرب، وتعتبر الجزائر دعمها للصحراويين جزءاً من التزامها بتصفية إرث الاستعمار.
وازداد التوتر بين البلدين إثر التطبيع المغربي مع إسرائيل بدعم أمريكي إماراتي في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ضمن صفقة تضمنت اعترافاً أمريكياً بمغربية الصحراء وافتتاح الإمارات والبحرين لقنصلتين لهما لدى المغرب في الصحراء، إضافة لإقامة الرباط علاقات مع تل أبيب في مجالات عسكرية وأمنية، وهو ما أغضب الجزائر، وتصاعدت الأمور عقب، إعلان الخارجية الجزائرية عن استدعاء سفيرها لدى الرباط “فوراً للتشاور، في 18 أغسطس/آب 2021، على خلفية إعلان سفير المغرب في الأمم المتحدة عمر هلال لأول مرة دعم “حركة استقلال منطقة القبائل”، التي تصنفها الجزائر كمنظمة إرهابية.
كما أوقف الجزائر تصدير الغاز إلى المغرب، وأغلقت أجواء البلاد أمام الطائرات المغربية في سبتمبر/أيلول 2021.
وكان وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، قد أكد أن القمة العربية المقبلة يجب أن تنعقد على أساس الالتزام بالمسؤولية، بعيداً عن أية حسابات ضيقة أو منطق متجاوز، حسب تعبيره.
وقال بوريطة، في كلمة أمام مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورته العادية الـ158، الثلاثاء الماضي بالقاهرة، إن المغرب، بقيادة الملك محمد السادس، حرص على الانخراط في صلب العمل العربي المشترك، سواء من داخل الأجهزة الرئيسية لجامعة الدول العربية، أو من خلال الهيئات المتفرعة عنها، والذي تجسد في احتضان المملكة المغربية لسبع قمم عربية، ساهمت في جمع الكلمة العربية وإعطاء زخم جديد للعمل العربي المشترك.
ودعا بوريطة إلى “قراءة موضوعية لواقع العالم العربي، المشحون بشتى الخلافات والنزاعات البينية، والمخططات الخارجية والداخلية، الهادفة إلى التقسيم ودعم نزعات الانفصال وإشعال الصراعات الحدودية والعرقية والطائفية والقبلية، واستنزاف المنطقة وتبديد ثرواتها”.
من جانبها، دعت الجزائر قبل أيام إلى استئناف “المفاوضات المباشرة” بين المغرب وجبهة “البوليساريو” لحل نزاع الصحراء المغربية. وجاءت الدعوة خلال لقاء المبعوث الأممي الخاص للصحراء ستيفان دي ميستورا، مع وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، الاثنين، بالجزائر، حسبما ذكر بيان لوزارة الخارجية.
وسبق للمغرب أن جدد التزامه بالعملية السياسية للموائد المستديرة التي تعد الجزائر طرفاً رئيسياً فيها، وفقاً للقرار 2602 الذي يدعو إلى حل سياسي “واقعي وعملي ودائم وقائم على التسويات” لنزاع الصحراء، وذلك خلال المباحثات التي أجراها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، يوم 5 يوليو/تموز الماضي.
وتقليدياً لا يشارك المغرب في القمم العربية والإسلامية عبر العاهل المغربي، ولكن أحياناً بمستوى رفيع قد يصل لرئيس الوزراء.
ولكن في القمة العربية بالجزائر، لن يصل الأمر في الأغلب لحضور رئيس الوزراء المغربي، وإذا حضر وزير الخارجية المغربي، فإنه يمكن اعتباره حضوراً رفيعا بالنظر لحالة العلاقات بين البلدين، وقد يكون ذلك رداً على الدعوة الجزائرية رفيعة المستوى.
وحتى إذا حضر وزير آخر غير وزير الخارجية فسيكون تمثيلاً، لا بأس ولكن ترؤس وزير دولة أو مندوب المغرب لدى الجامعة للوفد المغربي، سيعتبر تمثيلاً متدني المستوى، وهو أمر سبق أن تكرر في قمم عربية عكرتها الخلافات العربية، مثل حضور مصر لقمة دمشق التي ترأسها رئيس النظام السوري بشار الأسد على مستوى وزير دولة، والسعودية على مستوى مندوب المملكة لدى الجامعة العربية.
وكانت تقارير إعلامية مغربية قد قالت إن دعوة المغرب من قبل الجزائر جاءت بسبب ضغوط حلفاء المغرب في العالم العربي (في إشارة لدول الخليج)، ولكن الأرجح أن الأمر مرتبط برغبة الجزائر في إنجاح القمة، التي تمثل تتويجاً لعودة النشاط للدبلوماسية الجزائرية في عهد الرئيس عبد المجيد تبون، كما أنه من خلال ملاحظة تاريخ القمم العربية، فإن الأعراف السياسية العربية، تظهر أن الدول التي تستضيف القمة كانت تنحو دوماً إلى إرسال الدعوات لكل الدول الأعضاء بالجامعة العربية حتى تلك التي لديها معها خلافات كبيرة، وخاصة أن استضافة القمة تلقي على أي دولة مسؤولية قومية إذا صح التعبير.
وفي المقابل كانت الدول المتلقية لمثل هذه الدعوات ترد بدورها بإرسال تمثيل حتى لو منخفض المستوى، حرصاً على عدم الإضرار بمسيرة القمم العربية والجامعة العربية.
وفي كل الأحوال تمثل الدعوة الجزائرية للمغرب ومستوى من قدمها مؤشراً على رغبة جزائرية في نجاح القمة وحضور مناسب للمغرب، كما أن التعامل المغربي مع الدعوة حتى الآن مؤشر على رغبة الرباط في التهدئة وعدم تعكير أجواء القمة.