استقالة «الرميد» أكثر من مناورة وأقل من رسالة وداع لأعضاء حزب “العدالة والتنمية”

0
162

صنع وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، مصطفى الرميد، بداية جديدة لمسيرته من الباب ذاته الذي كاد أن يغلقه عليها.

رداً على نشر خبر بشأن استقالته من حزب العدالة والتنمية، وفيما يشبه رسالة وداع، كتب مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف حقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، السبت، تدوينة على حسابه في فيسبوك، موجهة إلى أعضاء حزبه، قال فيها إنه قرر أن يتوجه إليهم “جميعا بالتحايا والشكر على ثقتهم طوال السنين الماضية”.

وأضاف الرميد، وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أنه غاب عن حضور اجتماعات الأمانة العامة وكافة أنشطة الحزب طوال المرحلة السابقة، “لأسباب صحية ولأسباب أخرى لا حاجة لذكرها، مقدرا أهمية ما أنجزناه جميعا في خدمة المجتمع والدولة، وداعيا الله تعالى أن يوفقكم ويكلل مساعيكم في الإصلاح بكل سداد ونجاح”.

وفيما لم يؤكد أو ينفي خبر استقالته من الحزب، والذي وصفه بـ “الخبر”، اكتفى الرميد بالتوجه بـ “التحايا والشكر ” إلى إخوته في نفس الحزب على  ثقتهم فيه “طوال السنين السابقة، مقدرا أهمية ما أنجزناه جميعا في خدمة المجتمع والدولة”.

ولم تأت في الرسالة أية إشارة إلى الرأي العام، باعتبار الرميد شخصية عمومية ووزير في الحكومة ومنتخب سابق عدة مرات في البرلمان، واكتفى صاحبها بمخاطبة عضوات وأعضاء حزبه فقط.

وختم الرميد رسالته الغامضة بالدعاء لإخوانه في الحزب بأن يوفقهم الله ويكلل مساعيهم “في الاصلاح بكل سداد ونجاح”، تاركا الباب مفتوحا أمام الكثير من التساؤلات، وفي نفس الوقت مواربا أمام خطوة التراجع عن استقالته كما سبق أن فعل مرات عديدة.

ويعتبر الرميد من أبرز قيادات الحزب، حيث شغل منصب وزير العدل في الحكومة السابقة برئاسة عبدالإله بن كيران، وشكل تقديم استقالته من الحكومة قبل أشهر خلخلة لحزب العدالة والتنمية القائد للائتلاف الحكومي، قبل أن يتراجع عنها في ما بعد.

وكان الرميد تراجع عن استقالته من الحكومة مارس الماضي، مبررا ذلك بتمسك العاهل المغربي الملك محمد السادس باستمراره كوزير دولة وتحمل المسؤولية وأداء الأمانة، حسب تعبيره. مردفا “لم يكن أمامي إلا واجب الطاعة وسرعة الاستجابة”.

ولم تصدر أي تعليقات من الأمانة العامة للعدالة والتنمية، وسبق للأمين العام للحزب سعدالدين العثماني في فبراير الماضي، أن علق على تقديم الرميد استقالته من الحكومة، بأنه عبر عن انزعاجه مما رآه تهميشا له، قائلا حينها “نحن ننتظر عودته لمهامه النضالية كما عودنا دائما”.

وجاءت استقالة الرميد، غير المباشرة حتى لا يزيد الاحتقان داخل العدالة والتنمية ولا يعمق حالة الانقسام بين قيادة وقواعد الحزب.

ويرى مراقبون أن خضوع الرميد لعمليتين جراحيتين ليس سببا كافيا لتقديم استقالته من الحزب وهو الذي يعد من القيادات الرئيسية داخل الحزب، مؤكدين أن المواجهات بين أعضاء الحزب بسبب عدد من الملفات ساهمت في أخذ الرميد موقفا سلبيا من القيادة الحالية للحزب وهو يريد باستقالته إحراج الأمانة العامة سياسيا وانتخابيا.

وينص الفصل 47 من الدستور المغربي على أنه “لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة. ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية”.

ويعيد تراجع الرميد عن استقالته إلى الأذهان حوادث سابقة هدد فيها وزير الدولة بالاستقالة قبل أن يتراجع عنها كما هو الحال عند تهديده بتقديم استقالته في أحد اجتماعات الأمانة العامة لحزب “العدالة والتنمية”، بعد تعرضه رفقة باقي وزراء الحزب إلى حملة “التخوين” من طرف أتباع الأمين العام السابق لحزب “العدالة والتنمية” عبد الإله بنكيران، في إطار الصراع الذي عرفه الحزب قبل مؤتمره الأخير في 2017.

وقبل ذلك هدد بالاستقالة من وزارة العدل والحريات في عهد حكومة بنكيران السابقة، إذا لم ترفع أجور القضاة، كما هدد في مايو/ أيار 2018 بأنه قد يقدم على “تصرف سياسي كبير” في حالة استمرار عرقلة إحالة مشروع المسطرة الجنائية بصيغتها الجديدة على لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) من أجل مناقشته والعمل على إخراجه إلى حيز الوجود.

وكان الوزير والقيادي في حزب “العدالة والتنمية”، قد خضع، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لعملية جراحية لاستئصال ورمٍ خبيث بالكلى، تم اكتشافه أثناء تحاليل فيروس كورونا. وقبل أسبوعين كشفت وسائل إعلام محلية، استناداً إلى مصادر وصفتها بالمطلعة، أن الرميد يعزل نفسه، منذ أسابيع، في بيته، بسبب الحالة النفسية الصعبة التي يمر بها.

وقالت المصادر ذاتها إنّ “عزلة” الوزير المكلف بحقوق الإنسان سببها “عدم رضاه عن ما تعرفه الحالة الحقوقية في البلاد، خصوصاً في ظل استمرار موجة الاعتقالات السياسية، والتضييق على الحريات”.

وأشارت إلى أن “بعض القضايا الحقوقية ومنها طريقة اعتقال المؤرخ المعطي منجب، ثم الحكم عليه في ملف قديم، وما تعرض له النقيب محمد زيان، من بين القضايا التي أثارت استياء الوزير المكلف بحقوق الإنسان، وجعلته يعزل نفسه في بيته”.

ويعتبر الرميد من القيادات البارزة في الحزب الإسلامي، إذ اانتخب نائباً برلمانياً لثلاث ولايات متتالية، وترأس فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) لمدة 10 سنوات، كما تولى رئاسة لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب مرتين، ومنتدى الكرامة لحقوق الإنسان.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2002، عينه العاهل المغربي الملك محمد السادس عضواً بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، كما عُين في يناير/ كانون الثاني 2012 وزيراً للعدل والحريات. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2013، عينه وزيراً للعدل، قبل أن يتولى منصب وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان في حكومة سعد الدين العثماني في 5 إبريل/ نيسان 2017.