فرنسا: وزير التربية الوطنية والشباب يُبرر حظر العباءة في المدارس بأنّه شكل من أشكال “التبشير” ؟!

0
172

انتهاكات للعلمانية في تزايد كبير منذ جريمة قتل المدرّس صامويل باتي قرب مدرسته. إلى ذلك ازدادت المظاهر والألبسة الدينية وهي تشكّل غالبية الانتهاكات العلمانية

باريس – أعلن وزير التربية الوطنية والشباب الفرنسي غابريال أتال، عن منع ارتداء “العباءة” في المدارس الفرنسية، وقال “إن ارتداء العباءة في المدرسة لن يكون ممكنا بعد الآن”وشدد على سعيه لوضع “قواعد واضحة على المستوى الوطني” لاتباعها من قبل مديري المدارس قبل بدء العام الدراسي الجديد في جميع أنحاء فرنسا اعتبارا من 4 سبتمبر/أيلول الوشيك

جاءت تصريحات أتال خلال مقابلة مع تلفزيون “تي إف 1” الفرنسي، مشيرا إلى أن “ارتداء هذا الزي الإسلامي يعد انتهاكا للقوانين العلمانية الصارمة المطبقة في مجال التعليم في البلاد”وشدّد على أن “العلمانية هي حرية تحرير الذات من خلال المدرسة”.

ويأتي القرار الذي كشف عنه وزير التربية الفرنسي بعد شهور من الجدل بشأن ارتداء العباءات في المدارس الفرنسية.

حيث تحظر السلطات ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس الحكومية منذ عام 2004، كما يأتي بعد تقارير تتحدث عن تزايد ارتداء العباءات في المدارس، ووجود توترات داخل بعض المدارس بين المعلمين وأولياء الأمور بهذا الشأن.

وفي مؤتمر صحافي عُقد اليوم في فرنسا تحت عنوان “متّحدون من أجل مدرستنا”، بمناسبة انطلاق العام الدراسي الجديد 2023-2024، صرّح أتال بأنّ المسألة تتعلّق بـ”تشكيل جبهة موحّدة” في مواجهة الهجمات التي تستهدف العلمانية.

من جهته، قال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران لقناة “بيه إف إم تيه فيه” التلفزيونية: “إنّه هجوم سياسي، إنّها إشارة سياسية”، مستنكراً ما وصفه بأنّه شكل من أشكال “التبشير” من خلال ارتداء العباءة.

وشرح أتال في مؤتمر اليوم أنّ “تشكيل جبهة موحّدة يعني أن نكون واضحين: لا مكان للعباءة في مدارسنا”، ووعد بتدريب “300 ألف موظف سنوياً في قضايا العلمانية حتى عام 2025″، بالإضافة إلى تدريب جميع الموظفين الإداريين البالغ عددهم 14 ألفاً بحلول نهاية عام 2023.

وأشارت وكالة الأنباء الفرنسية إلى أن اليمين المتطرف مارس ضغوطا من أجل إصدار قرار الحظر، الذي رأى فيه اليسار الفرنسي تعديا على الحريات المدنية،وكانت فرنسا التي تضم أكبر أقلية مسلمة في أوروبا حظرت ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس الحكومية عام 2004.

جدير بالذكر أن غابريال أتال تولى حقيبة التربية الوطنية والشباب في نهاية يوليو/ تموز المنصرم، يعتبر أتال أن ارتياد المدرسة بالعباءة “مظهر ديني يرمي إلى اختبار مدى مقاومة الجمهورية على صعيد ما يجب أن تشكّله المدرسة من صرح علماني”.

وبحسب مذكرة لأجهزة الدولة اطّلعت فرانس برس على نسخة منها، الانتهاكات للعلمانية في تزايد كبير منذ جريمة قتل المدرّس صامويل باتي في العام 2020 قرب مدرسته. إلى ذلك ازدادت المظاهر والألبسة الدينية وهي تشكّل غالبية الانتهاكات للعلمانية، بأكثر من 150 بالمئة في العام الدراسي الماضي.

منذ صدور القانون في 15 مارس 2004 “تحظر في المدارس والكليات والمدارس الثانويات العامة المظاهر والألبسة الدينية التي يظهر من خلالها التلاميذ بشكل علني انتماء دينيا”.

وورد في مذكّرة صادرة عن أجهزة الدولة أنّ الانتهاكات التي تستهدف العلمانية في تزايد كبير منذ جريمة قتل المدرّس سامويل باتي في عام 2020 بالقرب من مدرسته، وقد ازدادت بنسبة 120 في المائة بين العامَين الدراسيَّين 2021-2022 و2022-2023. ورأى أتال أنّ “الحزم في استجابة المؤسسات التعليمية يُصار اختباره من خلال هذه الظواهر الجديدة (…) في مواجهة التعديات والهجمات ومحاولات زعزعة الاستقرار. علينا أن نشكّل جبهة موحّدة. وسوف نكون موحّدين”.

في هذا الإطار، رأت النقابة الرئيسية في التعليم الثانوي (المدارس المتوسطة والثانوية) أنّ “تخصيص هذا الكمّ من الوقت على العباءة أمر غير متكافئ”. وقالت الأمينة العامة للنقابة صوفي فينيتيتاي: “هذه ليست مشكلة بداية العام الدراسي الجديد الرئيسية”، مشدّدة على أنّ المشكلة تكمن في “الأعداد (التلاميذ) في الصفوف، ونقص المعلّمين”. وأضافت: “نعلم أنّ الحكومة تبحث كذلك عن دعم اليمين، لذلك لا تخدعنا المناورة السياسية التي تقف خلف ذلك”.

من جهته، أعرب زعيم حزب “فرنسا الأبية” جان-لوك ميلانشون في منشور على موقع “إكس” (تويتر سابقاً) عن “حزنه لرؤية العودة إلى المدارس عرضة للاستقطاب السياسي، عبر حرب دينية جديدة سخيفة ومصطنعة تماماً حول لباس نسائي”.

وفي يونيو/ حزيران الماضي، كان ميلانشون قد صرّح بأنّ العباءة “لا علاقة لها بالدين”، وبأنّ مشكلة المدارس ليست في هذا اللباس، بل في “نقص المعلّمين والأماكن غير الكافية”.

لكنّ خطوة وزير التربية الوطنية لقيت، لدى أحزاب يسارية أخرى، ترحيباً باسم العلمانية. فقد أشاد بها النائب الاشتراكي جيروم غويدج، ورئيس بلدية مونبلييه (جنوب) الاشتراكي مايكل ديلافوس، وزعيم الحزب الشيوعي فابيان روسيل.

تجدر الإشارة إلى أنّ المفهوم الفرنسي للعلمانية يُحصَر في المجال الخاص بموجب قانون صادر في عام 1905 يتناول الفصل ما بين الكنيسة الكاثوليكية والدولة.