تصريحات رئيس فريق الحزب الحاكم في البرلمان : اليوم في المغرب ليس لدينا مستشفيان “المجازر” تثير غضب الأطباء ونقابات الصحة؟!

0
285

“حتى رئيس الفريق البرلماني للحزب الحاكم  أصبحت لديه قناعة بأن قطاع “اليوم ليس لدينا مستشفيات بل لدينا مجازر، ويجب أن يتم إصلاح هذه المنظومة الصحية”غير قادرة على المواكبة تعميم الحماية الالجتماعية. 

خلف تصريح مسؤول برلماني أثناء مشاركته في أحد البرامج التلفزية مؤخرا، موجة سخط واستياء واسع في صفوف نقابات قطاع الصحة بالمغرب، الذين عبروا عن رفضهم لوصفه المستشفيات المغربية بـ”المجازر” لما فيه من “إساءة وتبخيس لمجهوداتهم” لاسيما في جميع فترات مواجهة جائحة كوفيد 19. 

وكان رئيس فريق حزب التجمع الوطني للأحرار بمجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، محمد غيات، قال خلال استضافته في أحد البرامج التلفزية حول “حصيلة الدخول البرلماني: الحصيلة والرهانات”، “اليوم ليس لدينا مستشفيات بل لدينا مجازر، ويجب أن يتم إصلاح هذه المنظومة الصحية”.




وأثار هذا التصريح، غضب كل من الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة والتجمع النقابي الوطني للأطباء الأخصائيين في القطاع الخاص والنقابة الوطنية للطب العام، الذين عبروا عن استغرابهم من تصريحات رئيس الفريق النيابي لحزب التجمع الوطني للأحرار.

وأكدوا في بيان مشترك لهم، الأربعاء، أن هذا التصريح “يسيء لكافة مهنيي الصحة الذين يبذلون تضحيات جسام في ظل ظروف مادية ومعنوية جد ضعيفة مقارنة بالمواصفات والمعايير الدولية”، معتبرين أن وصف البرلماني جاء “مبخّسا لكل الجهود التي تُبذل في خدمة المواطن المغربي”.

وبدوره، ندد تنسيق نقابي بقطاع الصحة ما وصفها بـ”تصريحات مشينة” لبرلماني رئيس فريق الحزب الأغلبي، معبرا عن رفضه لهذه التصريحات التي تعتبر “سبابا وتحقيرا في حق الشغيلة الصحية وتجريحا مرفوضا في حق كرامتها المهنية”.

وأوضح التنسيق المكون من أربع نقابات بقطاع الصحة (الاتحاد المغربي للشغل، الكنفيدرالية الديمقراطية للشغل، الفيدرالية الديمقراطية للشغل، الاتحاد الوطني للشغل)، أن المسؤول البرلماني “أضفى صفة الجزارين على الأطر الصحية” ضاربا بعرض الحائط كل تضحيات مهنيي الصحة خلال فترات ومراحل مواجهة جائحة كوفيد19″.

وطالب التنسيق النقابي من رئيس الفريق البرلماني وفق بيان أصدره، الأربعاء، بالتراجع الفوري عن تصريحاته وتقديم الاعتذار عن ما بدر منه، كما دعا الحكومة ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية بالتدخل العاجل من أجل رفع الحيف والضرر الذي طال الأطر الصحية نتيجة هاته التصريحات.

برلماني المعارضة: الحكومة تفتقد للحكمة و الخبرة الاقتصادية ؟

وكشف تقرير البرلماني سابق وضع المجهر على واقع الصحة بالمغرب، أبرز أن هناك إشكاليات على مستوى نظام الحوكمة والتمويل الصحي، خاصة النقص في الموارد المالية والبشرية، الذي وصفه التقرير  بـ”المهول”، بالمقارنة مع توصيات منظمة الصحة العالمية.

كما يعرف القطاع إشكاليات وإكراهات، ترتبط بضعف البنيات التحتية الاستشفائية وغياب العدالة المجالية في توزيعها، إلى جانب ضعف التجهيزات الضرورية لضمان جودة الخدمات الطبية.

وأوضح المصدر ذاته، أن مؤسسات الرعاية الصحية في المغرب بلغ 3005 من المؤسسات عام 2017، منها 2038 في الأرياف، في حين بلغ عدد المستشفيات 158مستشفى عام 2018، منها 25 مستشفى جامعيا، و30 مستشفى للقرب، بمعدل 25 ألفا و384 سريرا.

قبل ذلك اعترف تقرير اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي أيضا، بأن المنظومة الصحية بالمغرب تشكو من نقائص مهمة، تضع الصحة في قلب انشغالات المواطنين.

وكشف التقرير ذاته، أن المغرب يحتل اليوم المرتبة 112 من ضمن 195 بلدا فيما يتعلق بمؤشر الولوج إلى الخدمات الصحية وجودتها، مشيرا إلى أن الولوج إليها يبقى صعبا، خاصة في الأرياف، علاوة على كونه مكلفا ويتطلب وقتا طويلا.

وأوضح المصدر نفسه، أن جودة الخدمات الصحية لم تعرف نفس وتيرة تطور الولوج إليها، وأن التكلفة الفعلية التي يتحملها المواطنون تبقى مرتفعة جدا، إذ تتحمل الأسر ما يفوق 50 بالمئة من مجموع النفقات المرتبطة بالخدمات الصحية.

في ضرورة الاستثمار في الصحة

يرى عبد الوهاب الشريف، الطبيب ونائب الكاتب الوطني للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، أن “ما يعانيه قطاع الصحة عموما من تخلف ونقص في الميزانيات، وفي الموارد البشرية واللوجستيكية، ونقص البنيات الاستشفائية، لا يمكن فصله عن الفلسفة العامة التي تصدر عنها هذه السياسات، وطبيعة مقاربة الحكومة لحقوق وواجبات المواطنين، على رأسها حق المواطن في الصحة”. 

ودعا النقابي والطبيب، في تصريحه لـ”موقع سكاي نيوز عربية”، إلى أن “الدولة ومؤسساتها وأجهزتها تضمن خدمة المواطن والتنمية عامة، ومنها حقهم في منظومة صحية شاملة، وتيسير كل السبل الوقائية والعلاجية التي تكفل لهم حياة صحية مريحة”.

ويعتبر المتحدث نفسه، أن “ما يرصد من استثمارات لتنمية القطاعات الاجتماعية، ومنها قطاعي الصحة والتعليم، وما يبذل من جهود للنهوض بالعنصر البشري، هو استثمار تنموي يساهم حتما في النهوض بالبلد عامة”.

ونبه عبد الوهاب الشريف إلى أنه “لا يجب أن تعتبر الدولة على أن الإنفاق على ما هو اجتماعي، هو هدر للمال العام وتحويل الميزانيات إلى استثمارات في مجالات أخرى ستدر الأبراح الكبيرة على الدولة”.

من جانبه، اعتبر الطيب حمضي، الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية، أن “السياسة الصحية تستند إلى رؤى تتجاوز مدة الانتداب الوزاري بل حتى الولاية الانتخابية والحكومية من أجل تحديد الأهداف والوسائل على المدى الطويل، على عكس البرامج الجزئية والقطاعية والقصيرة الأمد”.

وتابع الباحث في السياسات والنظم الصحية، في حديثه لـ”موقع سكاي نيوز عربية”، أن “غياب أو ضعف رؤية استراتيجية، هو إهدار للوقت والميزانيات والمؤشرات الصحية، وإهدار لفرص فعالية المنظومة الصحية”.

ولم ينف الطيب حمضي، أن “المغرب بذل جهودا كبيرة في القطاع الصحي مع نتائج مقبولة، إذ قام بتحسين الوضع الصحي لسكانه، وكذلك مؤشراته الصحية على عدة مستويات، وذلك بخفض معدل وفيات الأمهات بأكثر من الثلثين في ظرف 15 عاما (من 2013 إلى 2018)، وخفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة بأكثر من النصف، وحسّن متوسط ​​العمر المتوقع لمواطنيه بأكثر من ست سنوات”.

لكن مع ذلك هناك “حاجة ملحة لتعزيز وتقوية الموارد المالية والبشرية والتقنية، بالموازاة مع إصلاح المنظومة الصحية، والاهتمام بالمحددات الصحية الأخرى”، يردف الباحث في السياسات والنظم الصحية.

كما دعا الطيب حمضي إلى “اعتماد نظام صحي قائم على الرعاية الأولية وطب العائلة، باعتبار طب وصحة القرب هما العمود الفقري لأنظمة صحية فعالة ومنصفة، تجمع بين الفعالية والكفاءة والنجاعة”، موضحا أن “عدم اعتماد المنظومة الصحية على الرعاية الصحية الأولية تستهلك الكثير من الميزانيات والموارد البشرية والبنية التحتية، مع نتائج محدودة”.