“الصناعة التقليدية بالمغرب بين إرث الأجداد وتحديات التحديث: هل تنجح الحكومة في إعادة الاعتبار لقطاع يُشغّل الملايين؟”

0
102

في لحظة مفصلية يعيشها الاقتصاد المغربي، حيث تتقاطع رهانات السيادة الإنتاجية مع ضغوط العولمة وتحديات التشغيل، يسلط الخطاب الرسمي الضوء مجدداً على قطاع كان، حتى عهد قريب، مهمشاً: قطاع الصناعة التقليدية.

ووفق ما صرح به لحسن السعدي، كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فإن هذا القطاع يشغل أكثر من 2.7 مليون مغربي، وبلغت صادراته 1.11 مليار درهم، ما يعيد طرح سؤال مركزي: هل أصبح الاستثمار في الصناعة التقليدية خياراً استراتيجياً حقيقياً؟ أم أنه مجرد تكييف ظرفي مع ضغوطات اجتماعية واقتصادية؟

وإذا كانت المهرجانات الاستعراضية، كمهرجان “موازين”، تُطرح اليوم في صلب النقاش العمومي باعتبارها رمزًا لسياسة ثقافية تقوم على الاستهلاك الفوري والصورة، فإن الصناعة التقليدية تُمثل الجهة المقابلة لهذا الخيار: ذاكرة إنتاجية تعكس أصالة المغرب العميقة، وقادرة، إذا ما تم إدماجها ضمن رؤية شاملة، على أن تتحول إلى رافعة اقتصادية مستدامة.

من الفوضى إلى التنظيم: هل تنجح الحكومة في هيكلة القطاع؟

لعل أبرز ما كشفه المسؤول الحكومي هو توفر المغرب اليوم على سجل وطني يشمل أزيد من 420 ألف صانع وصانعة تقليدية. هذا المعطى، في ظاهره، يعكس جهوداً نحو التنظيم، لكنه يطرح في العمق تساؤلات عن مدى نجاعة هذه الهيكلة، وقدرة الدولة على تحويل التسجيل إلى مدخل لحقوق مهنية، وحماية اجتماعية، وفرص اقتصادية حقيقية.

تقرير البنك الدولي لسنة 2023 بشأن الاقتصاد غير المهيكل في شمال إفريقيا أشار إلى أن “تسجيل الفاعلين لا يساوي تلقائيًا دمجهم في المنظومة الاقتصادية الرسمية، ما لم يُقرن ذلك بسياسات ضريبية عادلة، وتمويل منصف، وتأمين اجتماعي فعلي”.

السياسات الجديدة: عقود برامج أم مجرد نوايا؟

يشير السعدي إلى توقيع عقد برنامج مع غرف الصناعة التقليدية، يتضمن التكوين، والولوج إلى التمويل، وتسويق المنتجات، وإصدار البطاقة المهنية. لكن هل هذه الآليات كافية؟ تقارير سابقة، مثل توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حذرت من فجوة بين السياسات المعلنة والتنزيل الفعلي، خصوصاً في القطاعات غير المهيكلة.

حماية المهن من الاندثار: هل من رؤية تربوية وثقافية موازية؟

في ظل هيمنة ثقافة الاستهلاك والميل المتزايد نحو الوظائف الرقمية، كيف يمكن إقناع الجيل الجديد بالانخراط في مهن تقليدية؟ السعدي يؤكد على التكوين والتدرج المهني، مع توقيع اتفاقية مرتقبة في هذا الشأن، لكن نجاح هذا الرهان يستوجب أيضًا تحولًا ثقافيًا يربط التراث بالإبداع والربح الاقتصادي.

تقرير اليونسكو حول التراث اللامادي (2022)، اعتبر أن التحدي الأكبر في الحفاظ على الحرف التقليدية لا يكمن في حماية المنتوج فقط، بل في نقل المهارات للأجيال الشابة في بيئة حضرية هجرت فيها المهن اليدوية لصالح أنماط حياة استهلاكية.

بنية تحتية ضخمة دون تشغيل فعلي؟

أكثر من 150 مجمعاً وقرية للصناعة التقليدية، و100 “دار صانع” تنتشر عبر التراب الوطني، لكنها تواجه تحديات التنشيط والتدبير. من المسؤول عن تحويل هذه الفضاءات من مجرد بنايات إلى حاضنات اقتصادية حقيقية؟ وهل هناك تقييم شفاف لمدى استفادة الجهات المهمشة مثل درعة تافيلالت أو كلميم واد نون؟

التسويق: من المعارض إلى التجارة الإلكترونية، هل المغرب جاهز؟

في ظل التحولات الرقمية، أعلن السعدي عن إطلاق أول سوق إلكتروني وطني للصناعة التقليدية، والمشاركة في 6 معارض دولية. لكن تجارب سابقة أظهرت هشاشة المنصات الرقمية الحكومية، وضعف استدامتها. هل هذه المبادرة ستحقق الإقلاع أم ستبقى حبيسة المبادرة؟ وهل تتوفر التعاونيات الصغيرة في القرى أصلاً على الشروط اللوجستية والبنية الرقمية للولوج لهذا السوق؟

التصدير والاستثمار: إرادة سياسية أم واقع بيروقراطي؟

الاتفاقيات الجديدة لتشجيع التصدير وتحفيز الاستثمار تعكس إدراكاً رسميًا بأهمية القطاع، لكن التحدي الحقيقي يكمن في إزالة العراقيل البيروقراطية، وتوفير بيئة ضريبية وتمويلية جاذبة للمقاولين الشباب.

مقارنة رمزية: الصانع التقليدي أم النجم الاستعراضي؟

في لحظةٍ تُطرح فيها تساؤلات حقيقية حول الجدوى الاقتصادية والاجتماعية من الإنفاق على المهرجانات الضخمة، من المشروع أن نسائل أولويات الدولة الثقافية والتنموية: لماذا تُمنح الملايين لفنانين دوليين في عروض قصيرة، بينما صناعنا التقليديون، الذين يصونون الهوية ويبنون القيمة على المدى الطويل، لا يزالون يشتغلون في ظروف هشة؟

سؤال مركزي: هل يتطلب تأهيل القطاع رؤية اقتصادية أم رؤية حضارية؟

في المحصلة، ما يزال قطاع الصناعة التقليدية في مفترق طرق. فإما أن يُعامل كرافعة استراتيجية تنموية تقوم على التمكين، والحوكمة، والابتكار الاجتماعي، أو يُختزل مجددًا في صورة فولكلورية مناسباتية.

فهل ستتمكن الدولة من الانتقال من خطاب التقدير إلى نموذج اقتصادي اجتماعي متكامل؟ وهل يستطيع المغرب تحويل موروثه الحرفي إلى ماركة عالمية تحفظ الهوية وتخلق القيمة في زمن العولمة؟